عمر عبد اللطيف
تعد صحافة المناخ من انواع الصحافة الفتية والتي برزت في السنوات الخمس الاخيرة في العراق الا انها لم تلق رواجاً لدى معظم الصحفيين الذين لايزالون يفضلون السياسية والاقتصاد والرياضة عليها.
الاهتمام بصحافة المناخ تبلور منذ سنوات عدة عندما ظهرت مؤشرات التغيير المناخي في بعض الدول العربية والاقليمية، وكانت هنالك تحذيرات من ان العراق سيتأثر بهذه التغيرات الا ان هذه التحذيرات لم تلق آذانا صاغية بسبب الانشغال بمحاربة الإرهاب والتركيز على أمن البلاد أكثر من أي شيء آخر في ذلك الوقت، فكانت اخبار التفجيرات والاغتيالات والصراعات السياسية تحتل الصفحات الأولى في الصحف المحلية وتهيمن على نشرات الاخبار أكثر من أي موضوع آخر.
في السنوات الخمس الأخيرة بدأ تحركات الصحافة نحو قضايا وتحقيقات تتعلق بالجفاف والتصحر وندرة المياه والثلوث ومخلفاتها من الامراض الجسدية والتأثيرات الاجتماعية وغيرها لكن الصحفيون واجهوا تحديات كبيرة في عملهم بسبب قلة المصادر وامتناع الجهات الحكومية والوزارات المعنية عن إعطاء تصريحات حول هذه المواضيع خوفا من اثارة الهلع بين الناس بحسب تبريراتهم.
الاهتمام الحقيقي بقضايا المناخ زاد بشكل كبير في الاعلام العراقي في العامين الماضيين مع انطلاق مبادرات شبابية وإعلامية وحكومية تهتم بالقضايا المناخية وزاد هذا الاهتمام بعد المؤتمر المحلي الذي عقدته الحكومة العراقية في مدينة البصرة في آذار 2023 وما تبعه من تطورات بمنح العراق ولأول مرة جناحا خاصا في مؤتمر المناخ العالمي(كوب 28) في كانون الثاني (ديسمبر) الماضي.
إذ برز بعض الناشطين في هذا المجال والذين كانوا ضيوفاً دائمين في الصحافة المرئية والمسموعة والمقروءة لنقل ما يحصل في محافظاتهم من تغيرات ليتحرك بعض الصحفيين العراقيين وخصوصاً العاملين منهم في الصحافة العربية والعالمية التي تهتم بهذا الشأن في تغطيات إعلامية حول التغيرات المناخية وتأثيراتها على البلاد وخصوصا على مدن الجنوب.
تلك التغطيات لم تلق رواجاً كبيرا لدى وسائل الاعلام المحلية التي يعمل بها هؤلاء الصحفيون، لان اغلب المستجدات التي تحصل في العراق هي سياسية وهنالك اولويات تتصدر الصفحات الاولى دائما وهي الرواتب والموازنة والمشاريع الجديدة فضلاً عن اسعار النفط والمبيعات والمشكلات التي تحصل في بعض المحافظات فيما تكون البيئة اخر هم تلك الوسائل
ساعد في ذلك امتناع وزارات مثل البيئة والموارد المائية والزراعة والصحة عن اعطاء التصريحات الصحفية لبعض الصحفيين او الصحف لأنها تعتقد ان مثل هذه المعلومات تمس الامن القومي العراقي خصوصاً مسالة الجفاف، واقتصارها على التصريحات العامة التي تخص المؤتمرات والانشطة التي تقوم بها الوزارة كحملات التشجير او التوعية بالأكياس الورقية بدلاً البلاستيكية مما ادى الى عزوف الصحفيين عن التوجه الى تلك الوزارات وبالتالي الى تفاقم حجم التغيرات المناخية في غالبية محافظات البلاد مع اهمال تناولها من قبل الاعلام المحلي.
شيئا فشيئا بدأت وزارة البيئة التي تفاوض عن العراق في مؤتمر المناخ العالمي بالتواصل مع الصحافة من خلال دائرة “التغيرات المناخية” التي تم تشكيلها قبل اقل من عامين والتي بدأت تعتمد بشكل كامل على وسائل الاعلام من اجل ايصال صوتها وخططها للحد من تلك التغييرات وامكانية التكيف معها لإيصال العراق الى بر الامان في هذا الجانب خصوصا في فيما يتعلق بدورها في المؤتمرات المناخية واعداد الخطط الخاصة بذلك ففتحت بذلك نافذة جديدة امام الصحفيين للحصول على بعض المعلومات التي يحتاجونها في تحقيقاتهم وتقاريرهم.
بل ان بعض الصحفيين اسسوا منظمات ومواقع خاصة بالمناخ وبدأوا يعملون في مجالات التوعية في مجال التكيف والتخفيف وزار الكثيرون منهم المناطق المتضررة في البصرة وذي قال واطلعوا عن كثب على حياة الناس هناك ورصدوا مشكلاتهم ومعاناتهم التي لا يراها الكثيرون غيرهم.
لقد أسهمت هذه المبادرات في تعريف المواطنين بتأثير التغيرات المناخية على الانسان ومنها شبكة “صحفيات من اجل المناخ” التي قامت بالكثير من المبادرات منها جمع البلاستيك وتسليمه الى معامل لتدوير النفايات لما لهذه المادة من تأثير سلبي على البيئة خاصة وان نسبة البلاستك في النفايات في العراق يصل الى 18 % بحسب دراسة أجرتها وزارة العلوم والتكنلوجيا عام 2022 . كما قامت بإنتاج قصص وفيديوهات في المناطق المتضررة تستهدف نشر التوعية بين الناس حول المخاطر ومقترحات حلول للتكيف مع المشكلات.
وهناك منظمة “الادد للتنمية المستدامة والحفاظ على البيئة” والتي يديرها صحفيون وشاركت في الكثير من الندوات والدراسات التي يمكن ان تخفف من التأثيرات المناخية على حياة الناس فضلا عن اصدار البيانات والتي نشرت عبر وسائل الاعلام والظهور التلفزيوني الذي من خلاله تم تناول الكثير من المواضيع التي تخص البيئة ومشاكلها في البلاد.
كما انخرطت عشرات الصحفيات العراقيات الشابات وزملائهم من الصحفيين في دورات تدريبية حول صحافة المناخ اقامتها منظمات دولية مثل تاز بانتر الألمانية وام آي سي الألمانية وغيرها من المنظمات.
ورغم ان كليات الاعلام بدأت خطوات جدية لإدخال بعض المفردات مثل الطاقة المتجددة والتنمية المستدامة والتغيرات المناخية مثلما فعلت كلية الاعلام في الجامعة العراقية، لكننا نتمنى أيضا من الصحفيين الجدد من خريجي تلك الكليات او العاملين في تلك الوسائل من احتراف صحافة البيئة والمناخ والتي ستفتح لهم افاق جديدة في المستقبل لارتباطها بالسياسة والاقتصاد على حد سواء.
كما نقترح ان تكون “صحافة البيئة والمناخ “احدى المناهج الدراسية في كلية الاعلام للتعريف بأهمية هذا النوع من الصحافة، وامكانية زيادة عدد الصحفيين الذين يكتبون في هذا المجال بالمستقبل لان عددهم لا يكاد يتعدى اصابع اليد في الوقت الحالي وغالبيتهم يعملون كصحفيون مستقلون دون الانتظام بأي وسيلة اعلام كون ان معظم وسائل الاعلام تجبر الصحفي على اعداد تقارير سياسية او اقتصادية على حساب المواضيع البيئية التي يرغب بالعمل عليها.