الاهتمام بالبيئة سلوك مكتسب

 

د.علاء نجاح

ربما نشأتي في بيئة ريفية بداية حياتي الاولى، اعطتني القرب من الاشجار والاحزمة الخضراء وكل ما هو متعلق بالأجواء الجميلة واصبحت الشجرة سواء كانت النخلة واي نوع اخر مقدسة لدي واشعر بالنشوة حين التمس ظلها .

ومع دخولي عالم الاعلام البيئي والمناخ وتغيراته ولا اقول احترافي لأنني ارى نفسي في الخطوة الاولى اتعلم كل ما هو جديد وانبهر بالمشاريع والخطط وكل ما يتعلق بالبيئة وفعلا تعلمت الكثير خلال المدة الماضية ولا زلت اتعلم فيما اختلفت طريقة تفكيري بشكل كبير.

ولكم ان تتخيلوا ماذا حصل لي عندما رأيت جريمة بحق 20 شجرة في بيتين متقابلين في شارع فرعي قريب من سكني هذا الشارع كنت اطلق عليه شارع (الشانزليزيه) نظرا لتشابك الاشجار فيما بينها والظل الجميل والاجواء التي تنبعث منها خصوصا ايام المطر.

وبشكل مفاجئ تمت إزالة هذه الأشجار، القطع المتعمد أزال الجمال الذي مازال راسخا في مخيلتي وتحول الشارع الى طريق صحراوي ربما لو لم اكتسب المعلومات والاهتمام بالبيئة والتغيرات المناخية لتقبلت الموضوع على مضض ولكني لم أتمكن من السكوت، فذهبت للاستفسار وبدأت بانتقاد السلوك العدواني ضد الأشجار فبرر القاطعون ان الاشجار تتساقط منها الاوراق ويصعب عليهم تنظيف الارض وهناك حشرات تأتي عليها ومن ثم تدخل لبيوتهم للأسف مثل هذه الحادثة بدل استنكارها من الاخرين فهي مثل العدوى وتشجع الناس على ارتكاب جرائم بيئية اخرى بغياب المحاسبة القانونية لمثل هذه الافعال.

هذا الاهتمام بالمناخ وتفصيلاته جعل مني واقولها بصراحة شخص اخر فالهاتف والحاسوب الشخصي ورفوف المكتبة بدأت تدخلها الكتب البيئية والمناخية وكل ما يتعلق بها والمحاضرات الجامعية اخذت مني منحى اخر ومساقات مختلفة فالموضوعات البيئية دخلت لمناهج الاعلام وتدريسه وعناوين الرسائل والاطروحات بدأت تتغير في ظل تغير الاهتمامات وكذلك الندوات والورش بل وحتى الصفحات الالكترونية والمواقع الإخبارية حولت مسارها فاصبحت (خضراء) تنشد النجاح من هذا التحول.

واصبحت العين تراقب كل زلة وكل فعل خاطئ من رمي الاوساخ من نوافذ السيارات الى استخدام الاكياس الورقية بدل البلاستك من تقنين الاسراف بالماء وكل هذه الاشياء كانت بسيطة ولا تكلف جهدا كبيرا بل وعلى العكس تجعل الاخرون يقلدونك وخصوصا الاولاد وطلبتك والزملاء .

وعلى الجانب الآخر من حياتي رسمت خارطة علاقات عامة جديدة مهتمة بالبيئة ومشاكلها فمع قلة المياه والخوف من عواقب الجفاف كانت هناك قصص نجاح سلطت الضوء عليها مثل قصة (نور) التي أطلقت عليها لقب “المرأة الحديدية” وهي شابة بعمر 29 عاما وام لخمسة اطفال وهي تخدم بيتين بيتها وبيت عمها ابو زوجها وزوجته نظرا لكبر سنهم.

هذه الشابة اضافة الى اعمال المنزل ورعايتها لأطفالها ومتابعة دروسهم نراها تفتتح مشروعها وهو تربية الجاموس الذي يحتاج الى المياه بكثرة واستعاضت عن البرك الكبيرة بالأحواض ومستمرة بإنتاج حليب الجاموس ومشتقاته وبيعه بالأسواق هذا المشروع كان حافزا لبقية النساء في قريتها بالاقتداء بها وتقليدها.

وومن الذكريات الأخرى عن جولاتي تهي زيارتي لبحيرة الحبانية قبل عامين وصدمتي الكبيرة باختفاء الكثير من الاشجار لأنني احمل في ذاكرتي للحبانية وحدائقها الشيء الكثير، هذه الزيارة التي جعلتني اتابع اخبارها باستمرار لأنها للأسف قد فقدت الكثير من مياهها.

حتى على مستوى وسائل الاعلام اصبح الاهتمام بالأفلام الوثائقية والبرامج الخاصة بالبيئة يختلف عن السابق فأصبحت اتابعها بشغف واحصل على المعلومة والبيانات منها باهتمام كبير أما التوثيق فبات واجبا، فالمناخ وتغيراته سواء كانت طبيعية ام بسبب تدخل الانسان تؤدي اليوم دور كبير في الامن الغذائي وصحة وحياة الناس واحترامها والاهتمام بها واجب وطني وانساني.

وربما يسأل احد ما هل يمكن لشخص واحد او لناشط بيئي واحد تغيير سلوك الناس او تعديله او تبنيهم فكرة او فعل معين غير الذي اعتادوا عليه .. جوابي سيكون نعم، وادعمه بحادثة حصلت معي قبل أيام، فبعد رؤيتي لحريق اخشاب وضعت عمدا تحت شجرتين كبيرتين في تقاطع ببغداد لم اتوانى في النزول فورا مع ثلاث طفايات حريق صغيرة احملهن في السيارة معي وبدأت اطفئ النار خوفا على الشجرتين اولا ولعدم اذية الاخرين .. وما هي الا دقائق وانظم لي (عامل توصيل) واخذ مني الطفايتين وبدأ بالرش وبعدها بائع الماء وشرطي المرور وشرطي اخر الى ان اطفأوا الحريق ، وتسألت هنا من الذي جمع كل هؤلاء؟ انه المحفز الذي جاء بأولهم ليتعلم منه الآخرون ويقلدوه.

Total
0
Shares
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Related Posts
Read More

العراق… نقاط مناخية ساخنة

خالد سليمان   يدخل العراق عصرا مناخيا حرجا إذ يؤثر الاحتباس الحراري العالمي على اقتصاده وإنتاجه الغذائي وظروفه…