د. ارادة الجبوري
يعد تغير المناخ أحد أبرز التحديات التي واجهها العراق في العقود الأخيرة. وفقاً لتقرير البنك الدولي لعام 2020، إذ يواجه العراق ارتفاعاً في درجات الحرارة بمقدار 2 درجة مئوية بحلول عام 2050، مع تقلص هطول الأمطار بنسبة تصل إلى 9%، مما سيؤدي إلى تفاقم الجفاف. هذه الظاهرة أثرت بشكل مباشر على سبل عيش العديد من النساء، لا سيما في المناطق الريفية، حيث تعتمد الكثير من الأسر على الزراعة وتربية الماشية. ومع اشتداد الجفاف وتضاؤل الموارد المائية، تضطر العديد من الأسر إلى الهجرة إلى المناطق الحضرية بحثاً عن مصادر جديدة لكسب الرزق. وتُظهر الإحصائيات أن نسبة النزوح الداخلي بسبب الجفاف وصلت إلى 25% في بعض المحافظات مثل المثنى والناصرية.
لقد كان لهذه الهجرة القسرية تأثير كبير على النساء اللاتي كانت مصادر دخلهن الرئيسية هي الزراعة وتربية الدواجن وصناعة الألبان. فقد أظهرت دراسة أجرتها منظمة الأغذية والزراعة (FAO) أن 70% من النساء في المناطق الريفية يعتمدن على هذه الأنشطة كمصدر للدخل. مع فقدان هذه الأنشطة، تفاقم الوضع الاقتصادي للنساء، مما أجبرهن على البحث عن عمل بديل في أماكن حضرية غير مألوفة. ولكن في ظل معدلات بطالة تجاوزت 40% في بعض المناطق الحضرية، تجد العديد من النساء أنفسهن دون أي فرصة للحصول على عمل مناسب، مما يزيد من الفقر والاعتماد على المساعدات.
إلى جانب التحديات الاقتصادية، تواجه النساء ضغوطاً نفسية كبيرة بسبب الانتقال من الحياة الريفية إلى الحياة الحضرية. فالحياة الحضرية تزيد من مشاعر العزلة وانعدام الأمن، حيث يفتقرن إلى الروابط الاجتماعية التي كانت لديهن في المناطق الريفية. وأظهرت دراسة أجرتها وزارة التخطيط العراقية بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) أن معدلات العنف الأسري ارتفعت بنسبة 15% في المناطق التي شهدت نزوحاً داخلياً كبيراً، حيث يعاني الرجال من ضغوط معيشية جديدة، ما ينعكس سلباً على الأسرة.
لا تقتصر آثار تغير المناخ على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، بل تمتد أيضًا إلى الآثار الصحية. فارتفاع درجات الحرارة، الذي وصل في بعض المدن إلى أكثر من 50 درجة مئوية خلال فصل الصيف ولأيام طويلة، أدى إلى زيادة حالات الإجهاد الحراري وأمراض الجهاز التنفسي عند النساء، لا سيما الحوامل والأطفال حديثو الولادة، وهم من بين الأكثر تأثراً. وفقاً لتقرير وزارة الصحة العراقية لعام 2023، كما شهدت بعض المناطق الريفية ارتفاعاً في معدلات الأمراض المرتبطة بالحرارة بنسبة 20% مقارنة بالسنوات السابقة.
بالإضافة إلى العبء الصحي، وضع نقص المياه في المناطق الريفية مسؤوليات إضافية على النساء. في بعض المحافظات، مثل البصرة، إذ تضطر النساء إلى قطع مسافات تصل إلى عشر كيلومترات لجلب المياه الصالحة للشرب، في ظل تدهور نوعية المياه المتاحة بسبب ارتفاع مستويات الملوحة. وقد أظهرت إحصائيات منظمة اليونيسف أن 40% من الأسر في المناطق الريفية تعاني من عدم القدرة على الوصول إلى مياه نظيفة، مما يفاقم من الأعباء المنزلية والصحية على النساء.
وفي مواجهة هذه التحديات، من الضروري أن تعالج الحكومة والمجتمع الدولي على وجه السرعة تأثير تغير المناخ على المرأة العراقية من خلال تحسين البنية التحتية في المناطق المتضررة، بما في ذلك تعزيز نظام الري وتقنيات تحلية المياه، وتحسين الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه. علاوة على ذلك، يجب تقديم الدعم الاقتصادي والاجتماعي لمساعدة النساء المتضررات على التكيف مع وضعهن الجديد. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن تحسين أنظمة الري يمكن أن يرفع الإنتاج الزراعي بنسبة 20%، مما سيسهم في استقرار أوضاع النساء العاملات في هذا القطاع.
وأخيراً، يجب جعل التغير المناخي أولوية وطنية، والاستثمار في تحسين الظروف المعيشية وزيادة الوعي بهذه التحديات وضمان دعم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للنساء اللاتي يواجهن هذه الأزمة المتصاعدة. لأن تقوية استجابة الحكومة للتغير المناخي ليست مجرد حاجة بيئية، بل هي مسألة عدالة اجتماعية تتعلق بحماية الفئات الأكثر هشاشة، وخاصة النساء.